كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



يعني: قطع.
وروي في الخبر: أنه لما نزل ذكر السدر، قال أهل الطائف: إنها سِدْرنا هذا.
فنزل {مَّخْضُودٍ} يعني: موقر بلا شوك.
ثم قال: {وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ} وقال مقاتل: يعني: الموز المتراكم بعضه على بعض.
وقال قتادة: هو الموز، وهذا روي عن ابن عباس.
والمنضود الذي نضد بالحمل من أوله إلى آخره.
ويروى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قرأ: {سِجّيلٍ مَّنْضُودٍ} كقوله تعالى: {طَلْعٌ نَّضِيدٌ} كقوله تعالى: {وَظِلّ مَّمْدُودٍ} يعني: دائمًا لا يزول.
وروي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة رضي الله عنه: قال: في الجنة شجرة يسير الراكب، في ظلها مائة عام، ما يقطعها اقرؤوا إن شئتم {وَظِلّ مَّمْدُودٍ}.
ثم قال: {وَمَاء مَّسْكُوبٍ} يعني: منصبًا كثيرًا.
ويقال: يعني منصبًا من ساق العرش {وفاكهة كَثِيرَةٍ} يعني: الفاكهة كثيرة {لاَّ مَقْطُوعَةٍ} يعني: {لاَّ مَقْطُوعَةٍ} يعني: لا تنقطع عنهم في حين كما يكون في فواكه الدنيا، بل توجد في جميع الأوقات {وَلاَ مَمْنُوعَةٍ} يعني: لا تمنع منهم، والممنوعة أن ينظر إليها، ولا يقدر أن يأكلها كأشجار الدنيا.
{وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ} بعضها فوق بعض مرتفعة.
ثم قال عز وجل: {إِنَّا أنشأناهن إِنشَاء} يعني: الجواري، والزوجات.
يقال: نساء الدنيا خلقناهن خلقًا بعد خلق الدنيا.
ويقال: إنهن أفضل، وأحسن من حور الجنة، لأنهن عملن في الدنيا، والحور لم يعملن.
وعن أنس بن مالك، قال النبي صلى الله عليه وسلم: {إِنَّا أنشأناهن إِنشَاء} قال: «إنَّ مِنَ المُنْشِآتِ الَّتِي كُنَّ فِي الدُّنْيَا عَجِائِزَ عُمْشًا رُمْصًا زُمْنًا».
ثم قال: {فجعلناهن أبكارا} يعني: خلقناهن أبكارًا عذارى.
{عُرُبًا} يعني: محبات، عاشقات، لأزواجهن، لا يردن غيرهم قرأ حمزة، وعاصم، في إحدى الروايتين {عُرُبًا} بجزم الراء.
والباقون بالضم.
ومعناهما واحد.
وقال أبو عبيد: نقرأ بالضم لأنها أقيس في العربية، لأن واحدتها عَرُوب، وجمعها عرب، مثل صَبُور وصُبُر، وشكور وشكر.
ثم قال: {أَتْرَابًا} يعني: مستويات في السن، كأنهن على ميلاد واحد، بنات ثلاث وثلاثين.
وروي عن عكرمة أنه قال: أهل الجنة ميلاد ثلاثين سنة، رجالهم ونساؤهم، قامة أحدهم ستون ذراعًا على قامة أبيهم آدم عليه السلام، شباب جرد مكمولون، أحسنهم يرى كالقمر ليلة البدر، وآخرهم كالكوكب الدري في السماء، يبصر وجهه في وجهها، وكبده في كبدها، وفي مخ ساقها، وتبصر هي وجهها في وجهه، وفي كبده وفي مخ ساقه، ولا يبزقون، ولا يتمخطون، وما كان فوق ذلك من الأذى فهو أبعد، {لاصحاب اليمين} يعني: هذا الذي ذكر كرامة لأصحاب اليمين.
ثم قال عز وجل: {ثُلَّةٌ مّنَ الاولين وَثُلَّةٌ مّنَ الاخرين} يعني: جماعة من أول هذه الأمة، وجماعة من الآخرين.
فذكر في السابقين أنهم جماعة من الأولين، وقليل من الآخرين، لأن السابق في أخر الأمة قليل، وأما أصحاب اليمين يكون جماعة من أول الأمة، وجماعة من آخر الأمة.
ثم ذكر الصنف الثالث فقال: {وأصحاب الشمال مَا أصحاب الشمال} يعني: ما لأصحاب الشمال من شدة، وشر، وهوان.
ثم وصف حالهم فقال: {فِى سَمُومٍ وَحَمِيمٍ} والسموم: الزمهرير يقطع الوجوه وسائر الجسوم.
ويقال: السموم: النار الموقدة.
والحميم: الماء الحار الشديد، {وَظِلّ مّن يَحْمُومٍ} واليحموم الدخان يعني: دخان جهنم أسود {لاَّ بَارِدٍ وَلاَ كَرِيمٍ} يعني: {لاَّ بَارِدٍ} شرابهم {وَلاَ كَرِيمٍ} منقلبهم.
ثم بين أعمالهم التي استحقوا بها العقوبة بأعمالهم الباطلة فقال: {إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ} يعني: كانوا في الدنيا متكبرين في ترك أمر الله تعالى.
ويقال: كانوا مشركين {وَكَانُواْ يُصِرُّونَ عَلَى الحنث العظيم} يعني: يثبتون على الذنب العظيم، وهو الشرك.
وإنما سمِّي الشرك حنثًا، لأنهم كانوا يحلفون بالله، لا يبعث الله من يموت، وكانوا يصرون على ذلك.
وقال القتبي: {الحنث العظيم} اليمين الغموس.
وقال مجاهد: الذنب العظيم.
وقال ابن عباس: {الحنث العظيم} هو الشرك {وَكَانُواْ يِقولونَ} مع شركهم {أَءذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وعظاما أَءنَّا لَمَبْعُوثُونَ} يعني: بعدما صرنا ترابًا، وعظامًا باليةً، صرنا أحياء بعد الموت {وَءابَاؤُنَا الاولون} الذين: مضوا قبلنا، وصاروا ترابًا.
قال الله تعالى قل يا محمد: {قُلْ إِنَّ الاولين والاخرين} يعني: الأمم الخالية {لَمَجْمُوعُونَ} وهذه الأمة لمجموعة {إلى ميقات يَوْمٍ مَّعْلُومٍ} في يوم القيامة يجتمعون فيه {ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضالون المكذبون} بالبعث {لاَكِلُونَ مِن شَجَرٍ مّن زَقُّوم فَمَالِئُونَ مِنْهَا البطون} يعني: يملؤون من طلعها البطون، {فشاربون عَلَيْهِ مِنَ الحميم} يعني: على إثره يشربون من الحميم {فشاربون شُرْبَ الهيم} يعني: كشرب الهيم، وهي الإبل التي يصيبها داء، فلا تروى من الشراب.
ويقال: الأرض التي أصابتها الشمس وهي أرض سهلة من الرملة.
قرأ نافع، وعاصم، وحمزة {شُرْبَ الهيم} بضم الشين.
والباقون: بالنصب.
فمن قرأ بالضم، فهو اسم.
ومن قرأ: بالنصب، فهو المصدر.
ويقال: كلاهما مصدر شربت.
ثم قال: {هذا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدين} يعني: جزاءهم يوم الجزاء.
ويقال: معناه هو الذي ذكرناه من الزقوم والشراب طعامهم وشربهم يوم الحساب.
ثم قال: {نَحْنُ خلقناكم} يعني: خلقناكم، ولم تكونوا شيئًا، وأنتم تعلمون {فَلَوْلاَ تُصَدّقُونَ} يعني: أفلا تصدقون بالبعث وبالرسل.
ثم أخبر عن صنعه ليعتبروا فقال: {أَفَرَءيْتُمْ مَّا تُمْنُونَ} يعني: ما خرج منكم من النطفة، ويقع في الأرحام {تَخْلُقُونَهُ أَم} يعني: منه بشرًا في بطون النساء ذكرًا أو أنثى {أَم نَحْنُ الخالقون} يعني: بل نحن نخلقه {نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الموت} يعني: نحن قسمنا بينكم الآجال، فمنكم من يموت صغيرًا، ومنكم من يموت شابًا، ومنكم من يموت شيخًا.
قرأ ابن كثير: {نَحْنُ قَدَّرْنَا} بالتخفيف وقرأ الباقون: {قَدَّرْنَآ} بالتشديد، ومعناهما واحد لأن التشديد للتكثير.
ثم قال: {وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ على أَن نُّبَدّلَ أمثالكم} يعني: وما نحن بعاجزين إن أردنا أن نأتي بخلق مثلكم، وأمثل منكم، وأطوع لله تعالى: {وَنُنشِئَكُمْ في مَا لاَ تَعْلَمُونَ} يعني: ونخلقكم سوى خلقكم من الصور فيما لا تعلمون من الصور، مثل القردة، والخنازير.
ويقال: وما نحن بعاجزين على أن نرد أرواحكم إلى أجسامكم بعد الموت.
ثم قال عز وجل: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النشأة الاولى} يعني: علمتم ابتداء خلقكم إذ خلقناكم في بطون أمهاتكم، ثم أنكرتم البعث {فَلَوْلاَ تَذَكَّرُونَ} يعني: فهل لا تتعظون، وتعتبرون بالخلق الأول، أنه قادر على أن يبعثكم كما خلقكم أول مرة، ولم تكونوا شيئًا.
ثم قال: {أَفَرَءيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ} يعني: فهل لا تعتبرون بالزرع الذي تزرعونه في الأرض {ءأَنتُم تَزْرَعُونَهُ} يعني: تنبتونه {أَمْ نَحْنُ الزرعون} يعني: أم نحن المنبتون.
يعني: بل الله تعالى أنبته {لَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَاهُ حطاما} يعني: يابسًا، هالكًا، بعدما بلغ {فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ} يعني: فصرتم تندمون.
ويقال: يعني: تتعجبون من يبسه بعد خضرته {إِنَّا لَمُغْرَمُونَ} يعني: معذبون {بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ} يعني: حرمنا منفعة زرعنا.
قرأ عاصم في رواية أبي بكر: {إِنَّا لَمُغْرَمُونَ} بهمزتين على الاستفهام وقرأ الباقون: بهمزة واحدة على معنى الخبر.
ثم قال: {أَفَرَءيْتُمُ الماء الذي تَشْرَبُونَ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ المزن أَمْ} يعني: من السماء {أَمْ نَحْنُ المنزلون} يعني: بل نحن المنزلون عليكم {لَوْ نَشَاء جعلناه أُجَاجًا} يعني: مرًّا، مالحًا، لا تقدرون على شربه {فَلَوْلاَ تَشْكُرُونَ} يعني: هلا تشكرون رب هذه النعمة، وتوحدونه حين سقاكم ماء عذبًا.
ثم قال عز وجل: {أَفَرَءيْتُمُ النار التي تُورُونَ} يعني: تقدحون، والعرب تقدح بالزند والزند خشبة يحك بعضه على بعض، فيخرج منه النار {ءأَنتُم أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا} يعني: خلقتم شجرها {أَمْ نَحْنُ المنشئون} يعني: الخالقون.
يعني: الله أنشأها، وخلقها لمنفعة الخلق، {نَحْنُ جعلناها تَذْكِرَةً} يعني: النار موعظة وعبرة في الدنيا من نار جهنم.
وقال مجاهد: {نَحْنُ جعلناها تَذْكِرَةً} يعني: النار الصغرى للنار الكبرى {ومتاعا لّلْمُقْوِينَ} يعني: منفعة لمن كان ساخرًا.
وقال قتادة: المقوي الذي قد فني زاده.
وقال الزجاج: المقوي الذي قد نزل بالقوى، وهي الأرض الخالية.
ثم قال عز وجل: {فَسَبّحْ باسم رَبّكَ العظيم} يعني: اذكر التوحيد باسم ربك يا محمد صلى الله عليه وسلم الرب العظيم.
ويقال: صل بأمر ربك.
ويقال: سبح لله، واذكره.
قوله عز وجل: {فَلاَ أُقْسِمُ} قال بعضهم: يعني: أقسم و(لا) زيادة في الكلام.
وقال بعضهم: {لا} رد لقول الكفار.
ثم قال: {بمواقع النجوم} يعني: بنزول القرآن، نزل نجومًا آية بعد آية، وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: {بمواقع النجوم} يعني: بحكم القرآن {وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ} يعني: القسم بالقرآن عظيم {لَّوْ تَعْلَمُونَ} ذلك.
ويقال: {لَّوْ تَعْلَمُونَ} يعني: لو تصدقون ذلك.
قرأ حمزة، والكسائي: {بمواقع النجوم} بغير ألف.
وقرأ الباقون: {بمواقع النجوم} بلفظ الجماعة.
فمن قرأ: {بمواقع} فهو واحد دل على الجماعة.
ويقال: {بمواقع النجوم} يعني: بمساقط النجوم.
يعني: الكواكب.
ثم قال عز وجل: {إِنَّهُ لَقُرْءانٌ كَرِيمٌ} يعني: الذي يقرأ عليك يا محمد، لقرآن شريف، كريم على ربه، {فِى كتاب مَّكْنُونٍ} يعني: مستور من خلق الله، وهو اللوح المحفوظ {لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ المطهرون} يعني: اللوح المحفوظ.
ويقال: لا تمسه إلا الملائكة المطهرون من الذنب، ولا يقرؤه إلا الطاهرون.
ويقال: لا يمس المصحف إلا الطاهر.
وروى معمر، عن محمد بن عبد الله بن أبي بكر، عن أبيه رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب كتابًا فيه «لا يُمَسُّ القرآن إلاَّ عَلَى طُهُورٍ».
وروى إبراهيم عن عبد الرحمن بن يزيد قال: كنا مع سلمان فخرج، يقضي حاجته، ثم جاء، فقلنا: يا عبد الله لو توضأت، لعلنا نسألك عن آيات الله؟ فقال: إني لست أمسه، لأنه لا يمسه إلا المطهرون.